تلقت الحكومة السعودية ضربتين قاصمتين هذا الاسبوع من بريطانيا، الدولة التي تعول على صداقتها ودعمها في المجالات العسكرية والسياسية، باعتبارها احد البدائل الاقوى “لامريكا ترامب” المقبلة، الضربة الاولى رسمية، والثانية اعلامية.
الضربة الرسمية جاءت على لسان وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون، الذي اتهم السعودية وايران بإشعال الحروب بالنيابة في منطقة الشرق الاوسط، وتوسع اكثر في اتهاماته للحكومة السعودية في هذا المجال، عندما ركز على تصديرها الفكر الوهابي، ورغم تنصل الحكومة البريطانية من تصريحاته هذه، الا انه رفض الاعتذار رسميا عنها اثناء زيارته للرياض.
الضربة الاعلامية جاءت من مجلة “الايكونومست” البريطانية العريقة، والمعروفة بمصداقيتها في الاوساط الغربية خصوصا، فقد نشرت المجلة في عددها الاخير الصادر يوم امس الجمعة تقريرا قالت فيه ان الحكومة السعودية تواجه هزائم على جميع الجبهات في اليمن وسورية ولبنان والعراق، وفي منظمة “اوبك” ايضا.
وقالت المجلة ان الامير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع، الذي وصفته المجلة بأنه الحاكم الفعلي للبلاد، تعهد في بداية العام الحالي باستعادة صنعاء من الحوثيين، ومنع ايران من فرض الرئيس الذي تريده في لبنان (ميشال عون)، وافلاسها تماما بإغراق الاسواق النفطية بمليون برميل لدفع الاسعار نحو الانهيار، ومنافستها، اي ايران، في “عقر دارها” في العراق بفتح سفارتها وارسال السفير الى بغداد، ولكن، والحديث للمجلة، بنهاية العام لم تتحقق اي من هذه التعهدات، فقد اصبح الجنرال ميشال عون حليف ايران رئيسا للبنان، والسفير السعودي في العراق جرى سحبه خوفا على حياته، وصنعاء ما زالت في يد الحوثيين، والميليشيات التي كانت تدعمها السعودية في حلب تعرضت لهزيمة قوية، والاهم من ذلك ان ايران خرجت منتصرة من اتفاق الاوبك حول خفض الانتاج لرفع الاسعار، عندما رضخت السعودية لشروطها، وقبلت بأن تحتفظ بحصتها الانتاجية دون تخفيض، بل وزيادتها، وخفضت السعودية انتاجها بمقدار 500 الف برميل يوميا.
لا نعتقد ان السلطات السعودية ستتقبل ما ورد في هذه المجلة وتقريرها من حقائق رغم انها تظل عمومية، ولا تتعمق في التفاصيل المهمة، مثل الحرب الدائرة حاليا على الحدود اليمنية السعودية، حيث تعيش المدن السعودية قصفا وتوغلا يمنيا ادى الى اجلاء طلاب اكثر من ستمائة مدرسة وعشرات الآلاف من المواطنين، وكذلك الانفجار الضخم الذي اودى بحياة 15 شخصا، واستهدف معسكرا للقوات الموالية للسعودية في مدينة عدن، العاصمة المؤقتة لحكومة الرئيس هادي.
المأزق الذي تعيشه السعودية في المنطقة حيث يتناقص عدد اصدقائها بشكل متسارع، خاصة بعد خسارتها لقوتها الناعمة، اي سلاح المال، بفعل تراجع العائدات النفطية، وانكماش الاحتياطات المالية، هذا المأزق يعود للسياسات الخارجية المندفعة وغير المدروسة، وتتناقض كليا مع نظيراتها على مدى ثمانين عاما التي ترتكز على التأني والصبر وعدم التسرع.
مجلة “الايكونومست” تؤكد في ختام تقريرها ان ايران تخرج فائزة حتى الآن على الاقل، في السباق العسكري والسياسي، والحروب بالانابة الذي يجري بينها وبين الحكومة السعودية، وهذه الحقيقة ليست مفاجئة بالنسبة الينا وللكثير من السعوديين انفسهم في ظل ثورة المعلومات واذرعتها على وسائط التواصل الاجتماعي.
لا نعتقد ان المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم الامير محمد بن سلمان، الذي استضاف احد محرري المجلة، واجتمع معه خمس ساعات، وسمح له بزيارة الجبهة الجنوبية في ذروة انشغاله بإطلاق “رؤيته 2030″ للمملكة واقتصادها، سيتهم المجلة بأنها “معادية” للمملكة، وموالية لايران.